غادرنا صبيحة اليوم رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، خبر هز المشهد السياسي الوطني بكامل مكوناته التي عبرت عن حزنها لرحيل رئيس كل التونسيين. في عمر 92 سنة رحل رئيس الجمهورية عن هذا العالم تاركًا وراءه رحلة غنية بتاريخ حافل.

لم يترجل قائد السبسي في يوم عادي، بل في 25 جويلية عيد الجمهورية التونسية  ليصبح أول رئيس تونسي توافيه المنية أثناء فترة حكمه. هي الجمهورية التي دافع عنها منذ شبابه وساهم في بناءها حتى آخر أنفاسه ودافع عن مبادئها وقيمها.

عانى رئيس الجمهورية من وعكة صحية منذ 27 جوان 2019، تم نقله إلى المستشفى العسكري لكن حالته تحسنت وغادر ليقوم اثر ذلك بواجبه عبرتمديد حالة الطوارئ والتوقيع على أمر دعوة الناخبين. وعلى الرغم من كل الخلافات والضغوط المتعددة، لم يصادق على التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخابات، وهو إصلاح كان سيُشوه، بمجرد إعلانه، حياته المهنية بالكامل كرجل دولة. وهو موقف -رغم اتهاماته بانتهاك الدستور-  سمح له بكتابة اسمه بأحرف ذهبية في تاريخ تونس.

نجح قائد السبسي، أول رئيس تونسي منتخب بعد الثورة في انتخابات شفافة ونزيهة، في الحفاظ على تونس وحماية عملية الانتقال الديمقراطي من خلال وضع قيم الديمقراطية بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة.

كان لقائد السبسي دور مهم منذ الثورة، منذ توليه منصب الوزير الأول في 2011 ، حيث تمكن من تنظيم أول انتخابات في تونس وإرساء المجلس التأسيسي لتكون تونس النموذج الأول في العالم العربي الذي نجحت ثورته، في حين شهدت جميع دول الجوار التي عاشت "الربيع العربي" إخفاقًا حقيقيًا.

شارك الباجي قائد السبسي أيضًا في إثراء المشهد السياسي الوطني من خلال خلق حزبه نداء تونس الذي جمع في ذلك الوقت جميع القوى الوطنية التقدمية. في عام 2014، فاز في الانتخابات التشريعية والرئاسية. انتصار يعتبر معجزة حقيقية، في وقت كانت فيه جميع المؤشرات تدل على هيمنة الحزب الإسلامي النهضة.

إن الباجي قائد السبسي ليس في الحقيقة مبتدئًا على الساحة السياسية. من مواليد 29 نوفمبر 1926 كان محام ورجل دولة شغل العديد من المناصب والمسؤوليات حيث عين 1963 سنة على رأس إدارة الأمن الوطني وفي 1965 عين وزيرا للداخلية ثم سنة  1969 عين وزيرا  للدفاع.  وسنة 1990 انتخب رئيسا لمجلس النواب.

بعد الثورة، سنة 2011، قام بإعادة الاندماج في الحياة السياسية ليصبح الوزير الأول. سنة2012 ، أنشأ حزبه، نداء تونس، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية لعام 2014 وفاز في الانتخابات الرئاسية ضد منصف المرزوقي.

طوال فترة ولايته، وضع الباجي قائد السبسي نفسه كضامن للدستور وحرية التعبير ووسائل الإعلام. تعهد بعدم مقاضاة أي صحفي حتى بسبب التشهيرات المتعددة التي كان ضحيتها. لقد كان دائمًا إلى جانب ملايين النساء اللاتي صوتن لصالحه في عام 2014، حيث أطلق مبادرة للمساواة في الميراث والدعوة إلى إنشاء قانون للحريات الفردية. المبادرات الجريئة التي دافع عنها حتى أيامه الأخيرة رغم معارضة الإسلاميين والرأي العام في العالم العربي.

في عيد الجمهورية الثاني والستين، غادرنا أحد أعرق رجالات الدولة وان كان من الصعب انكار الحزن   لكن انتقال السلطة بكل ديمقراطية ونظام والتزام الى رئيس مجلس نواب الشعب يذكر أن باجي قائد السبس غادرنا تاركا  وراءه رجالاً ونساء مستعدين لاستلام الشعلة ومواصلة المسار الذي سلكه لتونس حرة وديمقراطية. سيبقى يوم مغادرته محفوراً إلى الأبد في الذاكرة لتذكيرنا بأن الجمهورية وحدها ستبقى..

سارة حلاوي – ترجمة عبير قاسمي