قيس سعيد و الحكومة : اللحظة التي لم تأت بعد
مر أكثر من شهر على اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية عن الإجراءات الاستثنائية بمقتضى الفصل 80 من الدستور و التي قرر التمديد فيها في وقت لاحق ، إجراءات نصت على تجميد أعمال البرلمان و اعفاء رئيس الحكومة و تلتها قرارات الاجراءات الإقامة الجبرية ومنع السفر في اطار ما يصفه رئيس الجمهورية بالحرب على الفساد.
استحسن الشارع التونسي هذه الإجراءات في مرحلة أولى إلا أنه و بطول المدة خيم القلق على التونسيين خاصة بعد قرار يوم 24 أوت 2021 والذي نص على التمديد في الإجراءات الاستثنائية دون تحديد أجل زمني محدد لتطبيق هذه التدابير .
و انتشرت الحيرة حين تعددت قرارات الاقامة الجبرية و منع السفر دون تبرير أو تفسير محدد لكل حالة و لم تطبق هذه الإجراءات بقرار قضائي كما ينص عليه القانون التونسي بل تم اتخاذها بناء على الظرف الخاص الذي تعيشه بلادنا في إطار قانون الطوارئ والذي يعود إلى سنة 1978 ونتج عن هذه الإجراءات ضبابية في المشهد السياسي و الاقتصادي فلا نعلم الى حد هذا اليوم هل يستأنف البرلمان أشغاله أم لا ، و لم يتم تعيين رئيس للحكومة بعد ، الأمر الذي سيؤدي إلى تعطيل عدد من الاتفاقيات و مشاريع القوانين ومن بينها قانون المالية.
حيث ينص الدستور التونسي في فصله 66 أنه على الحكومة عرض مشروع قانون المالية على لجنة المالية في أجل أقصاه يوم 15 أكتوبر للنقاش ثم عرضه على الجلسة العامة و التي ستصادق على مشروع القانون في أجل أقصاه يوم 10 ديسمبر ، إلا أنه وبالنظر الى البرلمان المجمد و غياب رئيس الحكومة لن يمر قانون المالية لسنة 2022 بالصيغة القانونية المعتادة و ربما سيقوم رئيس الجمهورية بمناقشة مشروع القانون و ختمه ثم نشره في صيغة أوامر رئاسية .
و رجحت أستاذة القانون منى كريم أن يحل رئيس الجمهورية محل البرلمان و يناقش و يختم القانون و ذلك أمام الانسداد القانوني و " سيكون في صيغة أمر رئاسي بالنسبة للميزانية تكميلية و أوامر رئاسية لمشروع قانون المالية تصدر كل ثلاثة أشهر و هذه الأوامر ستخصص للنفقات فقط " . و قالت أستاذة القانون في تصريح لاذاعة اكسبراس اف ام انه و في ظل هذا الفراغ التشريعي "أصبحنا نبحث عن حلول مناسبة لمشاكل غير معقولة " الأمر الذي أدى الى حالة انسداد و الى تمرير الصلاحيات الى رئيس الجمهورية .
و مع المخاوف على مصير قانون المالية تتزايد مخاوف رجال الأعمال والمستثمرين بسبب عدد الإيقافات في المطار و قرارات منع السفر ، وتجاوز عدد الاشخاص الذين وضعوا تحت الاقامة الجبرية و منعوا من السفر ال 50 شخصا من رجال أعمال ، سياسيين و قضاة و شمل حتى عائلاتهم على غرار ما وقع مع ابن امين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي الذي خضع الى استشارة حدودية مسبقة و قبل سفره بدقائق ، و أيضا تعرض ابن رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق البالغ من العمر 18 عاما الى استنطاق داخل المطار لحوالي 45 دقيقة .
في هذا السياق عبر رئيس حركة مشروع تونس عن تخوفه من ضياع ما أسماه بـ "حُلم يوم 25 جويلية " و ذلك أمام الضبابية و الأخطاء التي يرتكبها رئيس الدولة في علاقة بالإقامة الجبرية و منع السفر و هي قرارات ستؤثر على الجانب الاقتصادي في تونس في علاقة بجلب الاستثمار حسب قوله " الوقت ثمين و الازمة السياسية تحتاج الى سياسة اقتصادية والسياسة المتبعة في علاقة بالايقافات في المطار و منع السفر لا تشجع على الاستثمار في تونس " .
و أكد محسن مرزوق أنه إذا واصل رئيس الجمهورية في نفس الطريق من خلال اجراءات منع السفر و الاقامة الجبرية دون اتخاذ القرارات اللازمة لمكافحة الفساد وتعيين رئيس للحكومة فإن أعداء قرارات 25 جويلية سيستفيدون من هذا الفراغ و من هذا التمديد " موازين القوى ستتغير إذا لم يتم تشكيل حكومة ولم يقدم الرئيس رؤية واضحة " و أضاف في قوله " إذا واصلنا بهذا الطريق سيتحول الجلاد الى ضحية و سيغيرون موازين القوى " .
من جانبه ندد الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بالبطئ في اتخاذ الإجراءات اللازمة و بالفراغ الحكومي الذي عطل عدد من الاتفاقيات والمفاوضات الاجتماعية مع الشريك الحكومي وطالب الطبوبي بتوضيح الطريق و الإجراءات التي سيتخذها و في مقدمتها تشكيل الحكومة ، و قال أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل الذي دعا الى الذهاب الى انتخابات مبكرة ، أن هناك لوبيات تعيش في تونس و يجب مراقبتها في إطار مؤسساتي موضحا أن شخص واحد لا يمكنه مواجهتهم لوحده .
خيم الصمت على قصر قرطاج و لا يزال الشارع التونسي ينتظر رئيس الحكومة الذي سيقود المرحلة المقبلة وسط مخاوف من خيبة أمل جديدة و ذلك بسبب طول الانتظار و غياب الرؤية الواضحة التي سيتم بناء عليها تقرير مصير الشعب التونسي الذي سئم الوعود البالية و الخطابات الرنانة ، و في ظل هذا الانتظار لم يتمكن رئيس الجمهورية بعد من اختيار رئيس الحكومة بعد رغم تأكيده في عدة خطابات انه سيعلن عنه "في أقرب الاجال" .
رباب علوي
تعليقك
Commentaires