مُخطّط راشد الغنوشي لتغيّير الحكومة
أكثر من ثلاثة أسابيع مرّت على نيْل التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي ثقة البرلمان، في حين أنّ 11 وزيرا جديدا لم يُباشروا مهامهم بعد بسبب رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد السماح لهم بأداء اليمين الدستورية نظرا إلى تورّط أربعة منهم في شُبهات فساد.
بات الحوار مُنقطع ومُنعدم تماما اليوم بين القصبة وقرطاج وهذا دليل على عدم وجود بوادر إنفراج لهذه الأزمة السياسية التي وضعت البلاد في مأزق دستوري عميق في ظلّ غياب المحكمة الدستورية. نجد أنّ رئيس الحكومة هشام المشيشي متمسّك بموقفه ولا يُريد التنازل عن وزرائه الأربعة الجُدد الذين تحوم حولهم شُبُهات الفساد وفقا لرئيس الجمهورية، كما أنّ قيس سعيد يرفُض أن يكون شاهد زور ويقبل بالسماح لوزراء تتعلق بهم شُبُهات فساد بأداء اليمين الدستورية وهذا ما أكّده يوم 10 فيفري الجاري في لقائه ببعض النواب عندما قال ''أقول لهؤلاء في هذا اليوم ومن هذا المكان الشعب أمامكم وأنا واحد منه والدستور ورائكم وأنا حريص على تطبيقه فأين المفرّ''.
المشيشي بعد استنفاذه لكلّ الأساليب لإيجاد حلّ لأزمة التحوير الوزاري، قام بإعفاء خمسة وزراء من حكومته الحالية والذين شملهم التحوير الوزاري وعوّضهم بوزراء مباشرين حاليا في محاولة منه إلى رفع منسوب التحدّي بينه وبين قيس سعيد مؤكّدا انّ ذلك سيُساهم من تحسين أداء الحكومة. رئيس الجمهورية في مراسلة فريدة من نوعها أرسلها إلى المشيشي لقّنه من خلالها درسا في الدستور وفي العمل الحكومي، أكّد للمشيشي أنّ التحوير الذي قام به غير قانوني ويتضمّن العديد من الخروقات كما أنّ اليمين الدستوري مهمّ لمباشرة الوزراء الجُدد مهامهم رافضا بذلك الخطوة الأخيرة لرئيس الحكومة في إقالة خمسة وزراء.
وأمام هذا الصراع بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، تحت قبّة البرلمان يتمّ التحضير لتجميع الأصوات للائحة سحب الثقة من رئيس مجلس النواب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي بات يتحكّم في المشهد السياسي كما يحلو له معتمدا أسلوب ''المُخاتلة'' مثلما صرّح النائب عن الكتلة الديمقراطية هيكل المكي قائلا '' الغنوشي إله المُخاتلة وقادر على اللّعب بالدُمى كما يُريد''.
راشد الغنوشي الذي يُشهد له بالحنكة السياسية يعلم جيّدا أنّه بات مكروها من قبل أغلبية النواب حتى أنّ ثقته في نواب كتلته باتت معدومة لأنّ منهم من يرغب في الإمضاء على لائحة سحب الثقة منه، لذلك يأخذ الغنوشي الموضوع على مُحمل الجدّ وبعيدا عن كلّ الصخب والضجيج بدأ يُخطّط لإيجاد حلّ من شأنه أن يكون حلاّ لكلّ المشاكل الحالية دُفعة واحدة ليُحافظ على كرسيّه في البرلمان وعلى سلطة النهضة في البلاد وليُحافظ أيضا على شريكه المشيشي راميا قيس سعيد عرض الحائط.
لقد طرح راشد الغنوشي فعليا مُخطّطه على العديد من الأحزاب وبدأت فكرته تكتسب أرضية واسعة وتأخذ مسارها، وبمجرّد اكتمال إعداد هذا المُخطّط سيقوم بعرضه على بقيّة الأحزاب المعارضة لحزبه وغايته عزل رئيس الجمهورية قيس سعيد في رُكن صغير محدود الصلاحيات وجعله يُوافق في نهاية المطاف على مُخطّطه لأنّ رئيس الدولة في رأيه لا يُمكنه رفض الحلّ الذي توافق عليه الأغلبية البرلمانية.
يرتكز مُخطّط رئيس الحركة الإسلامية الغنوشي أساسا على الفصل 97 من الدستور والذي ينوي تفعيله وهو ينصّ على ''يُمكن التّصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللّوم إلاّ بعد مُضيّ خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس. ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89''.
في هذه الحالة، يتعيّن على راشد الغنوشي حلّ ثلاث نقاط في نفس الوقت، النقطة الأولى تتمثّل في جمع 73 توقيعًا من قبل النواب لتقديم لائحة لوم ضدّ حكومة المشيشي، والنقطة الثانية هي إيجاد المُرشّح الذي سيحلّ مكان رئيس الحكومة الحالي ويجب أن يحظى هذا المرشّح على موافقة النواب الذين أمضوا على لائحة اللّوم والنقطة الثالثة في الأخير يظلّ أمام الغنوشي إيجاد وتجميع 109 صوت للمصادقة على لائحة اللّوم ضدّ حكومة المشيشي والمصادقة على المُرشّح البديل له.
النقطة الأولى سهلة الإنجاز بالنسبة للغنوشي والمتمثّلة في جمع 73 إمضاء للائحة اللّوم، أما النقطة الثانية الخاصّة باختيار البديل لهشام المشيشي، فهي تستحقّ التفكير والإمعان جيّدا ووفقا لمُحيط راشد الغنوشي، لا يوجد الكثير من المرشحين وهو يُخيّر أن يتمّ اقتراح بديل المشيشي من طرف حزب قلب تونس وهناك ثلاثة شخصيات تمّ تداول أسمائهم. أوّلهم هشام المشيشي الذي سيخلُف نفسه، أما الإسم الثاني والثالث يجب أن يتحصّل كلّ منهما على رضاء وتوافق كلّ الأحزاب وهما فاضل عبد الكافي وحكيم بن حمودة وإلى حدود الآن ليس هناك أي مؤشّر أو دليل على أنّهما سيُوافقا على المنصب.
لتنفيذه النقطة الثالثة والمتمثّلة في جمع 109 صوت لتمرير لائحة اللوم في البرلمان والمصادقة على المرشّح البديل للمشيشي، ينوي الغنوشي تشكيل حزام برلماني واسع للحكومة الجديدة وسيعمل على التأكيد أنّه يسعى إلى تحقيق الإستقرار السياسي وإنقاذ البلاد ويقوم باقتراح سلسلة من الحقائب الوزارية على جميع الكتل النيابية التي ستُعلن دعمها لمُخطّطه في التصويت على لائحة اللّوم ضدّ حكومة هشام المشيشي. مُخطّط الغنوشي لا يهدف إلى الإطاحة بشخص المشيشي بعد أن أثبت ولائه له ووقف في وجه رئيس الجمهورية قيس سعيد، بل سيمكّنه من خلال هذه الإستراتيجية من التمتّع بحقيبة وزارة الداخلية أو أنّه سيُعيّنه في وزارة أخرى أو بإحدى السفارات المهمّة.
هذه لمحة سطحية عن مُخطّط الغنوشي الذي يتمّ تعديله يوم بعد يوم ولا يُمكن أن نعرف كافّة جوانبه نظرا إلى أنّ عالم السياسية مليء بالمفاجآت وبين ليلة وأخرى تنقلب العديد من الموازين. كما أنّ النقطة الثالثة ليست سهلة الإنجاز بالنسبة للغنوشي لجمع 109 صوت وفي نفس الوقت ليست بالأمر المستحيل خاصة إذا كان المرشح البديل للمشيشي هو فاضل عبد الكافي أو حكيم بن حمودة فهما يتمتّعان بحظ أوفر لأنّ كلاهما تمّ اقتراحه سابقا قبل أن يختار قيس سعيد إلياس الفخفاخ ومن ثمّ هشام المشيشي.
مهما كان الإسم الذي سيقع اختياره، فإنّ راشد الغنوشي بحصوله على موافقة الحزام البرلماني، سينجح مجدّدا في تحقيق مُخطّطه ككلّ المرات، وهكذا يتمكّن من وضع يدِه على الحكومة الجديدة والسيطرة عليها بشكل رسمي دون خسارة هشام المشيشي ويتمكّن في نفس الوقت من عزل رئيس الجمهورية قيس سعيد ويضمن الحفاظ على كرسيّه في البرلمان.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires