'' أنتم تعلمون ذلك أكثر مما يعلمه الكثيرون ، القضاء أوّلا وظيفة ، والسلطة والسيادة للشعب وكلّ البقية وظائف وليس أن يتحوّل سلطة مستقلة عن الدولة ، القرارات تصدر باسم الشعب التونسي والقضاء وظيفة وليس سلطة مستقلة، ليست سلطة قائمة الذات مستقلة عن الدولة'' كان هذا ما سمعه كلّ من يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، و مليكة المزاري، رئيسة مجلس القضاء العدلي، و عبد السلام مهدي قريصيعة، الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية، و محمد نجيب القطاري، رئيس مجلس القضاء المالي، من الرئيس قيس سعيد مساء يوم الإثنين 6 ديسمبر 2021.

عدم الإسراع في ترتيب الآثار القانونية على تقرير محكمة المحاسبات حول الإنتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019، وعدم إسقاط بعض القائمات الإنتخابية التي تضمّ العديد من النواب في البرلمان المجمّدة مهامه على غرار نواب حركة النهضة ونواب قلب تونس، جعلت من الرئيس قيس سعيد ينفجر غاضبا في وجه ممثلي السلطة القضائية في البلاد وإذا به يريد عدالة على المقاس تتماشى مع ما يُريده. 

تقرير محكمة المحاسبات حول الإنتخابات أصبح هاجسا يؤرّق الرئيس قيس سعيد ومحاسبة الأحزاب السياسية الضالعة في التمتّع بالأموال الأجنبية في حملاتهم الإنتخابية بات أمرا مستعجلا وضروريا بالنسبة له حتى أنّه أكّد على السادة القضاة في حواره المتشنّج معهم مساء الإثنين أنّه كان من الضروري البتّ في تقرير محكمة المحاسبات قبل تنصيب البرلمان أصلا. 

وكان قد توجّه لهم قائلا ''  ما هي قيمة القضاء إذا يصدر حكم بعد 20 سنة وما هي قيمة القوانين التي يضعها هذا المشرّع الذي تم إبطال انتخابه؟  التباطؤ في هذه المسألة غير مقبول، كان يُفترض أن يتمّ النظر في هذه الملفات وفي هذه التجاوزات في وقت قبل أن يبدأ أصلا المجلس في العمل ''. 

ما يتجاهله قيس سعيد أنّ تقرير محكمة المحاسبات لا يُعدّ قرارات متّخذة ، كما أنّ ذلك التقرير تمّ إعداده من قبل قضاة. كما أنّ  الناشط بالمجتمع المدني والقاضي السابق أحمد صواب، أكّد أنّ  ذلك التقرير لا يُمكن أن يمثل أحكاما قضائية باعتبار أنّه في النهاية تقرير تفقد، وكشف أنّ محكمة المحاسبات هي أشبه بإدارة تفقد بوزارة تُحيل ملف فساد مثلا إلى النيابة العمومية بما يعني أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل تقريرها محل األحكام القضائية وهو بذلك ليست له أية قيمة قضائية وهو أشبه ما يكون بتقرير تفقد اداري وبعيد كل البعد عن األحكام القضائية. 

ومن الواضح بالنظر إلى خطاباته المتكرّرة والمتواترة حول تقرير محكمة المحاسبات، أنّ الرئيس قيس سعيد يسعى بكلّ الطرق إلى الضغط على المرفق القضائي لتحقيق مآربه السياسية، أي القضاء بشكل قانوني على خصومه الإسلاميين وحلفائهم على الساحة السياسية حتى أنّه أعلن أنّ سيصدر مرسوما في الغرض. كما أنّه يسعى بشتى الوسائل معتمدا على سلطته المطلقة التي يخوّلها له الأمر الرئاسي 117 إلى حلّ البرلمان نهائيا وكان قد أكّد مرارا أنّ مشاريع القوانين التي صادق عليها مجلس نواب الشعب غير قانونية وغير مجدية وإنّما هي تخدم مصلحة خصومه السياسيّين. 

 رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر ، كانت إجابته واضحة لرغبة الرئيس قيس سعيد، إذ صرّح اليوم الثلاثاء قائلا '' إنّ اسقاط القائمات الانتخابية اجراء معقد يتطلب وقتا واذا ما احتسبنا التقاضي على درجتين و التدقيق في القائمات فإن الإجراءات تتطلب وقتا لأسباب موضوعية وتشريعية ". و بخصوص إصلاح القضاء و دعوات قيس سعيد إلى تطهير المنظومة القضائية في إطار سياسة مكافحة الفساد، كشف بوزاخر  أنّه لا مجال لإصلاح القضاء في هذا الظرف الاستثنائي " أخبرنا رئيس الجمهورية بأنّ إصلاح القضاء في هذا الظرف الاستثنائي غير ممكن ". 

تسير تونس اليوم بسياسة حُكم الفرد، رئيسها قيس سعيد يتحكّم في كلّ مفاصل الدولة بعد إعلانه عن التدابير الإستثنائية بتأويله الشخصي المُنفرد للفصل 80 وبإصداره للأمر الرئاسي 117 الذي منحه كافّة الصلاحيات وخلال هذه الفترة،  يُمارس قيس سعيد كلّ أشكال الضغط على المنظومة القضائية للتخلّص من خصومه السياسيّين وفي مقدّمتهم حركة النهضة وقلب تونس مُتناسيا الأولوية المُطلقة والمتمثّلة في إيجاد حلول عاجلة وعملية للأزمة الإقتصادية والإجتماعية.  

 يسرى رياحي