بطالة، دكتاتورية، قمع وفقر .. هذا ما فعله الرؤساء الثلاثة بالتونسيين
''أنا سبِق وأن عبّرت عن موقفي وقلت أنّ الإستقالة مسألة غير مطروحة، بلادنا في حاجة إلى الإستقرار وفي حاجة إلى حكومة تستجيب إلى تطلّعات أبناء هذه المؤسّسة، وسبق أن قلت أنّي لن أتخلى عن هذه المسؤولية لأنّ لدي مسؤولية تُجاه هذه البلاد وتُجاه مؤسّساتها الديمقراطية وتسجيل النقاط السياسية أمر أنا غير معني به والمعارك ضدّ طواحين الريح أنا لا أجيدها ولا أهتم بها''
كان هذا تصريح رئيس الحكومة هشام المشيشي بتاريخ 6 مارس الجاري، والذي أكّد فيه أن استقالته من رئاسة الحكومة أمر غير مطروح بتاتا ومرفوض فهو يعتبر أنّ تمسّكه بالحكومة سيُنقض البلاد من حالة الفراغ ناسيا أنّه المُتسبّب الوحيد اليوم بإجماع النخبة السياسية في تأزّم أوضاع تونس الإقتصادية والإجتماعية والصحية والسياسية. المشيشي يقول أنّه لا يُريد تسجيل النقاط السياسية في حين أنّه تعمّد مجاراة رئيس الجمهورية قيس سعيد وقام بليِّ العصا في يدِه لصالح رئيس الحركة الإسلامية النهضة راشد الغنوشي الداعم له سياسيا.
هشام المشيشي بعد أن قُدّمت له رئاسة الحكومة على طبقٍ من ذهب من قبل قيس سعيد، خرج من جبّته ومن طينته التي كان يتميّز بها وهي أنّه ابن الإدارة التونسية الذي يُجيد العمل فقط دون مناكفات ولكن بمجرّد حصوله على ثقة البرلمان، دخل عالم الحسابات السياسية من الباب الكبير بعد أن قام بمغالطة كبيرة مرّت على الجميع. منذ البداية كان قد أكّد أنّ حكومته ستكون حكومة كفاءات وطنية غير حزبية ولكن أخفى عن الجميع اتفاقه مع النهضة وحزامه السياسي البرلماني ألا وهو قيامه بتحوير وزاري يقلب صبغة الحكومة من حكومة كفاءات إلى حكومة أحزاب ليضمن استمراره على رأس الحكومة ويعزّز قوّته بحزام برلماني يُنقذه من الإطاحة به.
التحوير الذي قام به منذ أكثر من شهر ونصف فاز بثقة البرلمان لكنّه لم يحظى بثقة رئيس الجمهورية الذي كشف مُخطّط المشيشي مع النهضة واعترض عن التحوير نظرا لوجود شُبهات فساد تتعلق بأربعة وزراء شملهم التحوير. المشيشي قام بالعديد من المحاولات لضمان تمرير التحوير الوزاري دون المرور بالرئيس قيس سعيد لكنّ كلّ الطرق كان مآلها الفشل ليقوم بقرار جريء منه ويتولى عزل وإقالة الوزراء المعنيين بالتحوير وتعويضهم بوزراء مُباشرين لمهامهم حاليا. وعلى الرّغم من هذه الخطوة الجريئة إلاّ أنّ الرئيس قيس سعيد لم يوافق على التحوير الوزاري بعد، الأمر الذي زاد في تعميق الأزمة بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وذات المسألة زادت من تأخّر القيام بإجراء حوار وطني يرسم حلولا للأزمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تعيشها تونس.
ممثّلو اتحاد الشغل أكّدوا أنّ وجود هشام المشيشي في رئاسة الحكومة هو العائق الوحيد لإجراء حوار وطني، وأمين عام المنظمة الشغيلة نور الدين الطبوبي أكّد أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد اشترط لإطلاق مبادرة الحوار هو استقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي. في حين أنّ الأمين العام الأسبق للإتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي قد دعا المشيشي إلى تقديم استقالته لتمرّ البلاد للحوار الوطني معتبرا أنّه لم يُحافظ على الأمانة متحصّنا بحزامه البرلماني الذي لا تعنيه سوى مصالحه الحزبية.
فشل المشيشي في إدارة الأزمة واستعمل نفوذه للتحكم في مآل الحكومة وفي ذات الوقت استعمل منصبه كوزيرا للداخلية بالنيابة ليُمارس القمع والدكتاتورية على الشباب المُتظاهر وأصبح في نظر الجميع ورقة يلعبها راشد الغنوشي عندما تُغلق أمامه المنافذ. مرّ الأسبوع الثاني من شهر مارس وبقي شاهدا على مهزلة حصُلت في شارع خير الدين باشا أين تمكُث عبير موسي رفقة أنصارها معتصمة أمام مقرّ اتحاد علماء المسلمين فرع تونس رغبة منها في غلق الجمعية التي تعلّم الإرهاب تحت غطاء الإسلام والدين لكن نواب الإئتلاف الإسلامي الكرامة الموالين للنهضة تدخّلوا في هذا الإعتصام وغايتهم رفعه ووقعت مشاحنات وصدام وتبادل لألفاظ سوقية للتتدخّل قوات الأمن لفض الإعتصام بالقوة وإبعاد الطرفين بالإضافة إلى الإعتداء على الصحفيين.
لاقت عبير موسي مساندة كُبرى من حيث المبدأ لإخراج جمعية علماء المسلمين من تونس، واصطف إلى جانبها العديد من النواب على غرار حسين جنيح ومروان فلفال وهيكل المكي وحركة مشروع تونس التي ندّدت بالعنف اللفظي الذي مارسه نواب ائتلاف الكرامة على الحزب الدستوري والكلّ اعتبروا أنّ اتحاد علماء المسلمين هو منظمة إرهابية ومن يحميهم إرهابي. في حين أنّ مخلوف رجل المهام القذرة للإسلاميين نصّب نفسه البوليس السياسي مُدافعا عن جمعية علماء المسلمين وسانده في ذلك المشيشي الذي اعتبر أنّ الموضوع لا يُمكن أن يتدخّل فيه أيّ أحد سوى القضاء، كما سانده في التهجّم على عبير موسي نواب النهضة.
وكما كتبت الزميلة عبير القاسمي فإنّ ائتلاف الكرامة والدستوري الحرّ، وجهان لعملة واحدة، أيّ أنّه بين الفاشية الصريحة والفاشية الكامنة واستعداد كلا الطرفين للتصادم والتقاتل إن لزم الأمر- يضيعُ الكثير من الوقت، المنطق، الثقة في الطبقة السياسية والأهم، هيبة الدولة التي تتعامل بمعايير مزدوجة مع "اثارة الشغب" فكأن السياسيين كيان أسمى من المواطن العادي لا ينطبق عليهم القانون، اثارةُ الشغب تهمة قد تودعك السجن اذا كنت مواطنا وقد تجعلك بطلا اذا كنت سياسيا.
بعد مرور ثلاثة أشهر في العام الجديد اكتشف التونسيون أنّهم عادوا إلى مربّع العنف والتهديد والإغتيالات والتعذيب في السجون إلى حدّ الموت دون أن يُحرّك رئيس الدولة ساكنا أو يتدخّل، بات من الواضح أنّ حركة النهضة ورئيسها الغنوشي متحكّما في تونس وفي كلّ أوصالها بوضع يدِه على المشيشي الذي أصبح رهينة لدى الغنوشي وإلا فإنّ مصيره الإقالة أو الإستقالة. حرب سياسية دامية بين الرئاسات الثلاثة وتونس أصبحت في الحضيض على كلّ المُستويات وطالت أزمتها وفي ظلّ هذا المشهد السياسي الضبابي لا يُمكن لأحد التكهّن بموعد الإنفراج.
بان بالكاشف في الثلاثية الأولى من سنة 2021، أنّ مصلحة تونس واستقرارها الأمني وانفراج أزمتها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية هي آخر اهتمامات الطبقة السياسية، هشام المشيشي رئيس الحكومة يعمل في نفق مُظلم أسيرا لدى حركة النهضة وأوامر راشد الغنوشي في حين أنّ رئيس الدولة قيس سعيد يُشاهد ما يفعله ممثلو الأحزاب عن بُعد ويردّ على خصومه بالقول فقط وفي تونس يُعذّب الشباب ويموتون سُجناء وتُقمع حرية الصحافة ويُحاسب الضعفاء ويعيش بها فقط السياسيون الإنتهازيون.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires