تونس على شفا حفرة من الهاوية
حوار قيس سعيد: حضور مبهم ومضمون فضفاض..
مقارنة بين قيس سعيد ونبيل القروي: مواطن القوة والضعف لدى كل مترشح
على بعد ستة أيام من إجراء الإنتخابات التشريعية يبدو أن المعطيات والمؤشرات ليست مطمئنة ولا تنبئ بخير.. ففي الوقت الذي ينشغل فيه الجميع تقريبا بالإنتخابات الرئاسية، هناك من يعمل بكل جدّية وفي كنف السرية المطلقة على التشريعية.. في الوقت الذي مازال فيه الناس يخوضون في ما إذا كان نبيل القروي مذنبا ومافيوزيا، هناك أشخاص خارجون عن القانون سيتخذون مكانا لهم تحت القبة البرلمان بعد أسبوع من الآن والحال أنه لا إضافة ترجى منهم في المجلس التشريعي.. وفي حين أن الكل منشغل بالتهجّم على الغير أو الدفاع عن النفس ضد عائلته السياسية، يوجد أشخاص من حثالة المجتمع سيصبحون نوابا في البرلمان يتمتّعون بالحصانة ويمثلون الشعب ويصادقون على القوانين ويقررون مصيرنا ومستقبلنا.
تذكرون "العريضة الشعبية" برئاسة الهاشمي الحامدي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011؟ سيكون الوضع أسوأ في 2019..! ولمن خانته الذاكرة فإن العريضة الشعبية هي تلك القائمات المستقلة التي أحدثت المفاجأة لأن أعضاءه ومرشحيها كانوا متخفّين في قائمات مستقلة.. كنا نعتقد أن ذلك هو السيناريو الأسوأ لكن ما هو أسوأ قادم خلال أيام معدودات.
كثير من قرائنا يتهموننا بالنخبوية والتعالي على الشعب وبتبني الفكر البورڨيبي وازدراء الطبقة الشعبية والشعب عامة ويتناسون أنه من واجبنا التنبيه إلى المخاطر المحدقة لأننا خلافا للأغلبية الساحقة من قرائنا الأعزاء نمتلك معلومات ومعطيات وحقائق يجهلونها.. لذلك نحن نمارس مهنتنا ألا وهي البحث عن المعلومة وتوفيرها للجمهور العريض.
غير أنه لا يمكن نشر كل المعلومات المتوفّرة لدينا لعدّة أسباب .. فأحيانا نتحصّل على شهادات ليست للنشر وأحيانا أخرى نكون شهود عيان على أحداث لا يمكننا تداولها احتراما لبعض الضيوف أو احتراما لرغبة البعض في عدم الكشف عن هوياتهم حتى لا يتعرّض مصدرنا للتهديد .. وفي واقع الحال أي الإنتخابات، يُمنع علينا القول بأن خطرا ما يتهددنا لأنه حسب الفصل 70 من القانون الإنتخابي "يمنع خلال الحملة الإنتخابية أو حملة الإستفتاء وخلال فترة الصمت الإنتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالإنتخابات والإستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام". كيف تريدون منّا أن نقوم بعملنا كما ينبغي ونقدّم للقراء وسائل فهم المسائل وإدراكها بقانون إنتخابي مهتز ولا يليق بديمقراطية حقيقية ؟.
مع ذلك وبقطع النظر عن الأسباب التي تفرض على وسيلة إعلامية، منع قرائها أو مشاهديها أو مستمعيها من الإطلاع على بعض المعلومات والأخبار، فإن الوسيلة الإعلامية غالبا، بل دائما ما تكون مطّلعة أكثر من جمهورها .. ومن هذا المنطلق فإن الوسيلة لها الأدوات التي تخوّل لها نشر التحاليل والمواقف والآراء. وهذا ينطبق أيضا على عديد الصحفيين (الكرونيكور) في الإذاعات والتلفزات والذين يتعرّضون ظُلما إلى السب والشتم.
ومن هذا المنطلق فإننا حين نقول إن ما ستفرزه إنتخابات 2019 سيكون أسوأ مما أفرزته إنتخابات 2011، فنحن ندرك جيدا ما نقول استنادا إلى وقائع وأرقام وتقاطعات خطيرة بين مختلف الأطراف المعنية والمتداخلة.. فالأمر لا يتعلّق البتة بتشويه قيس سعيّد ولا منصف المرزوقي أو أي حزب آخر، لأنه ينتمي إلى الريف أو محسوب على الجنوب التونسي، مثلما يتهمنا البعض بذلك، ولكن لأن هذا الشخص أو ذلك الحزب يمثل خطرا حقيقيا على تونس وعلى النظام الجمهورية وقيم العلمانية والحريات والوحدة الوطنية (فالمرزوقي ساهم في تقسيم الشعب التونسي) كما يشكل خطرا على احترام القوانين والعدالة (يوسف الشاهد مثالا) أو على النظام مثلما هو الشأن بالنسبة إلى قيس سعيّد.
فمن المظاهر الشائعة اليوم ليس فقط في تونس، هو التظاهر بالفوضوية والعمل ضد النظام .. العديد يعتقدون أنه سلوك جيّد لكنهم يتناسون أن من يكون ضد النظام ثم يتقلّد منصب الحكم فإن في ذلك خطرا على تونس التي لا تصبح ما كانت عليه بحلول الفوضى حتى لا نقول الحرب الأهلية والأمثلة عديدة في ليبيا والصومال وفينيزويلا وكوبا.. هذا ما قدتتعرّض له تونس إذا نصوّت لفائدة مترشحين مستقلين قريبين من قيس سعيّد والصافي سعيد وإئتلاف الكرامة لسيف الدين مخلوف أو الإتحاد الشعبي الجمهوري. فهذا التّوجه المعادي للنظام والذي يتطلّع إليه البعض قد يحرم المواطن التونسي من الماء والكهرباء في منزله ومن الأدوية في الصيدليات ومن الموظفين في الإدارات بسبب انعدام الرواتب والأجور، فضلا عن فقدان المواد الغذائية وغيرها من المحلات والفضاءات التجارية. فهم يريدون ضرب الصناعات الناجحة ورجال الأعمال الناجحين ويتجاهلون أن هؤلاء قد ضمنوا مستقبلهم وأنهم في أحسن الحالات قد يتوقفون عن الإستثمار والإنتداب إلى حين توقّف هذا التوجه الشعبوي الرخيص .. وفي أسوأ الحالات قد يضطرون إلى غلق شركاتهم وطرد العمّال ليسافروا خارج البلاد.. أولئك يشوهون صباحا مساء شركاءنا في الغرب متناسين أنهم المزودون الأساسيون لتونس من حاجياتنا ويشترون منا منتوجاتنا.
هل تظنّون أن شابا من أصحاب الشهائد العليا (من المقربين إلى قيس سعيّد) والذي لم يفلح في الحصول على عمل، هو شخص كفء وقادر على إنقاذ البلاد؟ والحال أن المؤسسات والشركات تبحث جاهدة دون جدوى عن أمثاله من الكفاءات .. في نظري فإن شابا من أصحاب الشهادات الجامعية يتأخر في إيجاد عمل هو شاب غير كفء ولا يتقن تحرير رسالة بالفرنسية أو العربية وتعوزه المعارف لفرض نفسه في المجتمع وقد يكون نجح في دراسته بواسطة الغش وبالتالي لا يستحق شهادة التخرج .. فإذا كنت كفءا ومثابرا ولك رصيد محترم من المعرفة والذكاء، ستنجح عاجلا أم آجلا في الحصول على عمل وخلافا لذلك فإنك ستلعب دور الضحية، ضحية النظام وستسعى إلى ضرب الناجحين وستعمل على أن يتأقلم النظام بأي طريقة كانت مع مستواك الضعيف عوضا عن أن تحاول أنت الإرتقاء إليه .. فمن السذاجة الإعتقاد بأن شخصا فشل في حل مشاكله الشخصية، سيتمكّن من حل مشاكل بلد بأسره بمجرد انتخابه عضوا في البرلمان؟.
فحتى لو تمكنت من ضرب النظام في بلدك فما أنت فاعل مع شركائك الأجانب (حرفاؤك ومزوّدوك) والذين يفرضون عليك الإنتماء إلى هذا النظام الذي قمت بكسره؟ فهل ستعيش في بوتقة مغلقة ؟ نعم ستعيش مثلما هو اليوم الحال في الصومال وكوبا وليبيا وفينيزويلا.. من غير المعقول الإعتقاد بأن شخصا مثل قيس سعيّد، الذي لم يجدّد جواز سفره منذ 2014 (هو ذكر هذا بلسانه ليعطي الإنطباع بأنه قريب من الشعب)، ستكون له نظرة متبصّرة لطبيعة السياسة الخارجية للبلاد في حين أنه يجهل كيف أصبح العالم منذ ما لا يقل عن خمس سنوات وأن قائمة علاقاته تنحصر في الأشخاص الذين يلتقي بهم داخل البلاد.
كما أنه من غير المنطقي أن شخصا مثل سيف الدين مخلوف (وقائماته) سيتمكّن من بسط الأمن والسلم الإجتماعي في حين أن كل خطاباته تقوم على الفُرقة والحقد تجاه الغير. هو ذاته مخلوف المُطالب بتعديل جبائي في حدود 259 ألف دينار والذي شتم أحد القضاة، علنا ودون أية محاسبة وشقيقه مروّج مخدرات وقد فرّ إلى الخارج وهو الذي يعبّر عن فرحته إلى جانب الثوريين الليبيين رافعا بيده سلاح كلاشنيكوف .. شخص يشهر السلاح في وجه مواطنيه ليس أهلا للثقة ولا يمكن أن يكون أهلا لها.
حين نقول إن ما ينتاظرنا في 2019 هو أسوأ مما حدث في 2011، فهذا ليس من قبيل التعالي ولا إثارة النعرات الجهوية وإنما من منطلق الإستشراف والتحلي بالنظرية الواقعية .. فنحن نستند إلى كم من المعطيات والمعلومات لا يمتلك قراؤنا وكذلك دراسات وتحاليل ليست في متناولهم، فضلا عن بعض التجارب المقارنة التي قد يكون القراء غفلوا عنها، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى تاريخ الشعوب الذي قد ينساه أو يتناساه البعض.
فالتصويت لقائمات شعبوية قريبة من قيس سعيّد هو المخاطرة بصوملة تونس .. كما أن انتخاب قائمات قريبة من الإسلاميين يعد من قبيل المخاطرة بتحويل الشريعة إلى دستور .. فالتصويت لفائدة قائمات قريبة من سيف الدين مخلوف أو الصافي سعيد هو المخاطرة بأن تصبح تونس شبيهة لليبيا والعيش في حمام من الدم.
(ترجمة عن النص الأصلي بالفرنسية)
تعليقك
Commentaires