alexametrics
الأولى

جرحى ما بعد 25 جويلية- أي مشهد سياسي؟

مدّة القراءة : 8 دقيقة
جرحى ما بعد 25 جويلية- أي مشهد سياسي؟

لم يأت الأمر الرئاسي 117 الذي ابتلع الدستور لتسوية قانونية لوضع استثنائيّ وفراغ تشريعي وتنفيذي، ولم يُخطط له ليكون تدبيرا انتقاليّا حاسما ولا تنظيما مؤقتا للسلط العمومية، بل جاء امتدادا لفلسفة 'التغيير من الداخل' التي كان رضا لينين مُولعا بها أيّام الجامعة حين كان في الاتحاد العام لطلبة تونس واقترح الولوج للحزب الدستوري الذي تقود 'ثلة من الحمقى' الذي سيكون من السهل التلاعب بهم، لتغيير ديمقراطي حقيقيّ من داخل الحزب. نظريّة رضا شهاب المكي هي أن لا تُفني عمرك تحارب منظومة من الخارج وتصارعها فاما أن تُنهيك واما أنّ تمتصّك داخلها وتعيد رسكلتك، بل أن تلج بنفسك للمنظومة وتغيرها من الداخل.

وهذا تماما، ما فعلهُ قيس سعيد. استغلال ثغرات دستوريّة لتفيذ مشروع سياسيّ شخصي أولّ خطوة فيه تفكيك تامّ لمنظومة ما بعد 14 جانفي -وفق ما ورد على لسانه-وفي فجر عمليّة الهدم التي ينوي عبرها ازاحة العالم القديم عن الصورة، ستنهار أحزاب وتتلاشى شخصيات اعتبارية ويتراجعُ دور منظمات.

 


جبهات جديدة - قديمة لمعارضة الرئيس

عاد منصف المرزوقي من الماضي بعد أن أعلن مغادرته السياسي، لينفض الغبار عن صفحته التي يخاطب عبرها ماتبقي من "شعب المواطنين" والارادة" الذين تفتتا كما تفتّت قبلها المؤتمر من أجل الجمهورية. وأعلن صاحب نسبة 2 فاصل 97 بالمائة من الأصوات والمرتبة 11 في رئاسية 2019 أنّه يجب عزل قيس سعيد المنتخب من قبل 3 ملايين مواطن. ولم يكتفي المرزوقي بذلك بل وجّه دعوة صريحة للأمن الوطني والجيش أن لا ينفذا قرارات رئيس الدولة (انقلاب على الانقلاب). وأعلنت أحزابُ الإتحاد الشعبي الجمهوري، حراك تونس الإرادة، الإرادة الشعبية، و حركة وفاء في بيان مشترك تأسيس "الجبهة الديمقراطية" لمعارضة 'انقلاب سعيد' مُعلنة أن منصب رئيس الدولة أصبح شاغرا لأن قيس سعيد صار فاقدا للشرعية داعية الوطني وقوات الأمن الداخلي والحرس الوطني الى التوقف عن التعامل مع رئيس الجمهورية. وأعلن المكون الذي يدعو نفسه بالجبهة الديمقراطية تأييده للمظاهرات الرافضة للإنقلاب.

اضافة الى جبهة المرزوقي، ظهرت جبهة أخرى أعادتنا بدورها الى 2013. ظهر حمة الهمامي أمين عام حزب العمال الشيوعي التونسي في ندوة صحفية بعنوان " لا للانقلاب" مُعلنا تأسيس جبهة سياسية لمقاومة الدكتاتورية مفتوحة للجميع ما عدا حركة النهضة والحزب الدستوري الحرّ.

ومثلما أعاد قيس سعيد أشباحا من الماضي فانه نجح في توحيد أحزاب لم تكن لتلتقي دون هذه الفرصة. جمع قيس سعيد أحزاب التيار الديمقراطي، الجمهوري، آفاق تونس والتكتل حول طاولة النقاش لاصدار بيانات مشتركة رافضة للاجراءات الاستثنائية، والتي لم تسميها هذه الأحزاب بالانقلاب بعد الا أنّها عدلت مواقفها بعد الأمر الرئاسي 117 وتستعد غدا لعقد ندوة صحفيّة للاعلان عن مبادرة رافضة لتمشيّ رئيس الجمهورية.


القوميّون يساندون سعيّد


هل أحالهم خطابُ سيدي بوزيد التفاعليّ الأفقيّ والمباشر الى احدى خطب جمال عبد الناصر وأمامهُ المصريون يهتفون بحياته؟ لا ندري، لكن الأحزاب القومية التي دعمت شخصيات أخرى لرئاسية 2019 ومنها الصافي سعيد هي "الحزام السياسي " الوحيد لسعيد حاليا. ومعه أنه لا يؤمن بفكرة التنظم في أحزاب أو استمالة حزام سياسي، ولا يحتاجه في هذه الحالة الا أنّ ستة أحزاب أكدت دعمها اللامشروط للقرارات الاستثنائية،  وهي حركة تونس الى الأمام (يساريون ديمقراطيون) وحركة الشعب (قوميون) والتيار الشعبي (قوميون)وحزب التحالف من أجل تونس (غير محدد)وحركة البعث(قوميون) والحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي(اشتراكيون)، وأعلنت هذه الأحزاب أنّ الاحكام الاستثنائية تعد خطوة هامة في اتّجاه تجذير خيار القطع مع عشرية الخراب والدمار والفساد والافساد، ومع خيارات حكومات لم تكن سوى واجهة لحكم "بارونات" المافيا بقيادة حركة النهضة وحلفائها.


تراجع دور المنظمات الوطنيّة


لنترك جانبا المنظمات الحقوقيّة ونقابات القضاء والمحاماة- التي تفاعل بعضها واختار البعض الاخر مواصلة العطلة الصيفية، لنستعرض مواقف الرباعي الراعي للحوار الذي فاز بنوبل للسلام لادارة الأزمة السياسية سنة 2014. بالنسبة لاتحاد الشغل، واصل المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة الانعقاد والاجتماع واصدار البيانات بصفة دورية. انطلق الاتحاد من موقف المساندة النقدية للرئاسة ابان 25 جويلية الى المطالبة اللصيقة بتعيين فريق حكومي الى استنكار تأبيد الاجراءات الاستثنائية، ثم اقترحت المنظمة خارطة طريق، أعقبتها بنبرات تحذيرية من الانحراف بالسلطة وارادة الشعب. لم تذكر كلمة انقلاب في أيّ من بيانات اتحاد الشغل.

اتحاد الاعراف لم يصدر اي بيان ذو صبغة سياسية منذ أسابيع- ماعدا بعض البيانات التي يعلن فيها عن تخفيض بعض الاسعار. لم يجتمع المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة منذ مدّة ولم تصدر المنظمة اي مواقف في الاعلام بشأن الاجراءات الاستثنائية، خليل الغرياني عضو المكتب التنفيذي للاتحاد شدد على أن غياب منظمة الاعراف عن الساحة ''هو فترة تأمل " مؤكدا أنه" لا يجب دائما إعطاء الرأي بسرعة في الملفات السياسية".
ولئن اكتفت الهيئة الوطنية للمحامين بنقاط عرضية في بيان سطحي لا يحمل رفضا أو مساندة للاجراءات الاستثنائية سوى نقطة رفضها إحالة المحامين والمدنيين على القضاء العسكري، فان الرابطة التونسية لحقوق الانسان اعتبرت أن الاجراءات الاستثنائية الجديدة تعتبر فاتحة للانفراد بالسلطة، محذرة من السقوط في الحكم الفرداني. ودعت الرابطة بوضوح قيس سعيد إلى وضع سقف زمني للخروج من حالة الاستثناء والتسريع بالعودة للديمقراطية واحترام مبدأ التداول السلمي على السلطة واعتماد مبدأ التفريق بين السلط والانتخاب الحر المباشر لممارسة التمثيلية الحقيقي.

 

الحركة الاسلامية النهضة

 

الحزب الاسلامي بدأ عمليّة التدمير الذاتي قُبيل انتخابات 2019، وتسارعت منذ ذلك الوقت خطوات تفكيك الحزب من الداخل على يد راشد الغنوشي وحاشيته. حمل الحزب في داخله أسباب نهايته وخسر مصداقيته مع من تبقى من قاعدة ناخبيه بعد التحالف مع قلب تونس، في تلك الفترة خرج الى الضوء معارضو راشد الغنوشي الذي انطلقوا في تصريحات خجولة تراكمت لتصنع داخل الحركة رأيا عاما مناهضا لانفراد الشيخ بقيادة الحزب والخروج عن النصّ، وتكررت محاولات التمكين وتغيير القانون الداخلي للحركة وبدأت الاستقالات، ومع كلّ حدث سياسيّ جديد في البلاد طفت الى السطح اشكاليات داخلية جديدة، وفي أقل من سنة خسر الحزب العديد من قياديي الصف الأول لتتوالى الاستقالات الى أن نصل الى 131 استقالة جماعية من الحركة، التي تواجه غضبا شعبيّا أشعل مقراتها وعزل رئيسها عن رئاسة البرلمان، وغضبا داخليّا هزّ صورة الحزب المتامسك الذي يدير اختلافاته بعيد عن الأضواء. لا يمكننا الجزم بأن النهضة انتهت، ولكن سنوات سيطرة النهضة على الساحة السياسية انتهت.

ظهور تيّار "المستقيلون من حركة النهضة"


على رأسهم سمير ديلو وعبد اللطيف المكي، وصلت قائمة الاستقالات من حركة النهضة الى 131 عضوا بينهم قياديون ووزراء ونواب سابقون غادروا الحركة -دون رجعة- بسبب الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة النهضة (راشد الغنوشي) أدت الى عزلتها وتعطل الديمقراطية الداخلية لحركة وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلها، ما أفرز قرارات و خيارات خاطئة. وفيما أكد هؤلاء أن القرار نهائيّ وأن علاقتهم بالحزب الاسلامي انتهت، لم ينفي أيّ منهم نية تكوين ائتلاف، حزب أو مكون سياسي جديد.
وفق معلومات متداولة، جرى تنسيق بين عبد اللطيف المكي وقياديين سابقين بالنهضة بالاضافة الى شخصيات سياسية أخرى حول اطلاق مبادرة سياسية جديدة تدعى حزب "السعادة". وسيسعى هذا التيار المغادر للحزبالاسلامي استئناف العمل الحزبي تحت راية أخرى بهدف عزل ماتبقى من النهضة وتحجيم راشد الغنوشي.

 

عبير قاسمي

تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter