تونس تتخبّط في الإشاعات والتحالفات السياسية أمام أزمة وبائية حادّة
عاشت تونس هذه الأيام أسبوعا حافلا بالإقالات والقرارات السياسية المُنمّقة بالتحالفات الحزبية وتسريبات وإشاعات كانت لها دور في التغطية على الوضع الوبائي الصعب الذي تعيشه البلاد خاصّة أنّ العدد الجملي للوفيات فاق 18 ألف حالة، يوميا تفقد تونس أكثر من 100 شخص جرّاء كورونا في حين أنّ الطبقة السياسية لا تزال مهتمّة باللّعب على المناصب وإعفاء هذا وتعيّين ذلك.
في بداية الأسبوع وتزامنا مع عيد الإضحى، استفاق وزير الصحة فوزي مهدي على خبر إقالته من منصبه دون إعلام مباشر له وتمّ تكليف محمد الطرابلسي وزير الشؤون الإجتماعية وزيرا للصحة بالنيابة. أسباب الإقالة وفقا لرئيس الحكومة هشام المشيشي، هي افتعال وزير الصحة لعملية إجرامية تتمثّل في فتح مراكز التلقيح يومي عيد الاضحى لكلّ الفئات العمرية بداية من سنّ 18 فما فوق. قرار اعتبره المشيشي قرار إجرامي في حقّ الشعب التونسي الذي هبّ في أوّل أيام العيد، يوم الثلاثاء، بأرقام وأعداد غفيرة أمام مراكز التلقيح التي أعلنت عنهم وزارة الصحة في بلاغ لها يوم الإثنين. كما اعتبره أيضا، قرار مسقط لم تتم فيه إستشارة رئيس الحكومة والولاة والقيادات الأمنية أو الرجوع للجنة العلمية أو الهيئة الوطنية لمجابهة الكورونا قبل اتخاذه، وأذن المشيشي لوزيرة العدل بالنيابة لإثارة وتحريك الدعوى لدى النيابة العمومية بخصوص فتح مراكز التلقيح بصورة عشوائية دون توفير الجرعات اللازمة للفئة العمرية التي تم توجيه النداء إليها للتلقيح.
رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يفُته التدخّل في قرار الإقالة، واستقبل وزير الصحة فوزي مهدي وأعلمه أنّ قرار تخصيص يومي عيد الإضحى لعملية التلقيح بطريقة مفتوحة هو قرار إجرامي وأكّد أنّ سياسة الدولة تقوم على التباعد ولا تقوم على الاكتظاظ معتبرا أنّ ما حصُل لم يكن طبيعيا وكان مقصودا ''الجائحة السياسية أكثر من الجائحة الصحية''، أفاد رئيس الجمهورية.
وزير الصحة فور إقالته، تعرّض إلى العديد من الإنتقادات اللاّذعة خاصّة من قبل قيادات النهضة، واضطرّ يوم أمس الخميس للخروج عن صمته وكشف المستور من ادّعاءات الحكومة واتّهماتها الباطلة له، وفي تدوينة نشرها على حسابه الخاصّ بالفيسبوك، عاد فوزي مهدي على مشواره الكامل منذ تقلّده منصب وزير الصحة في سبتمبر الفارط. وأكّد أنّ التُهم التي وُجّهت له من قبل الحكومة والتي عجّلت بإقالته هي مجرّد تُهم كيدية تمّ التخطيط لها وكشف أنّ قرار تخصيص يومي العيد بطريقة مفتوحة للتلقيح جاء بعد ضغط من كبير من القصبة وكذّب ما ادّعاه المشيشي بأنّ لا علم له بذلك القرار مفسّرا أنّه تمّ التواصل طيلة يوم الاثنين الفارط مع مستشار رئيس الحكومة المكلف بالكورونا ومستشاره المكلف بالتنسيق مع المجتمع المدني وتمّ التأكّد من إعلام وزارة الداخلية (عبر الفاكس وبالتسليم المباشر) وتلقى تطمينات بحسن سير العملية والتنسيق مع الداخلية والولاة.
لم يمرّ قرار إقالة فوزي مهدي مرور الكرام على الرأي العام التونسي الذي طالب رفقة العديد من القيادات السياسية بضرورة استقالة المشيشي الذي خضع للعديد من الإبتزازات الحزبية الضيّقة من النهضة وقلب تونس ونادوا بتعيّين رئيس حكومة جديد. في هذا السياق، علمت بزنس نيوز أنّ حركة النهضة اقتنعت أنّه بات عليها أن تتخلى عن المشيشي وهي بصدد النقاش مع اتحاد الشغل لإختيار شخصية جديدة تكون خليفة المشيشي وكان إسم وزير الشؤون الإجتماعية السابق الحبيب الكشو هو الإسم المطروح ويُقال أنّ نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وافق عليه، بقي على النهضة فقط إيجاد طريقة لإقناع قيس سعيد بهذا الإسم وأن تضمن له أغلبية برلمانية كي يتمّ منحه الثقة في البرلمان.
وللتغطية أكثر عن الوضع الوبائي، تمّ خلال منتصف هذا الأسبوع تداول خبر مفاده تبرئة رئيس الحكومة السابق إلياس الفخاخ من التُهم التي وجّهت له وتمّ إزالة شبهة الفساد التي تعلّقت به. العديد من صفحات الفيسبوك باتت تُمجّد الفخفاخ وتلوم النهضة على إسقاطه، حملة كاملة تمّ العمل عليها لتبيّيض صورة الفخفاخ وتنزيهه من شبهة استغلال نفوذه وتضارب المصالح الذي تورّط فيها. الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية نفى لبزنس نيوز ما تمّ تداوله مشددا على أنّ القضية لازالت في طور الأبحاث، أي أنه لا يمكن تناول تفاصيلها اعلاميا لضمان السير العادي لمجرى العدالة. ونشر الفخفاخ على صفحته الرسمية اليوم بيانا كُتِب فيه ''يهمني أن أوضح للرأي العام أن كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي لا أساس له من الصحة. الموضوع لا يزال بين يدي القضاء ويسير بطريقة عادية''.
وفي ساعة متأخّرة من ليلة البارحة الخميس، تمّ تسريب إشاعة لإبعاد النظر عن موضوع إقالة وزير الصحة فوزي مهدي ودعوات إسقاط حكومة المشيشي، مفادها أنّ رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد قد تُوفي. إشاعة للأسف إنساقت ورائها العديد من المواقع الإعلامية والإذاعات ونشرتها وكأنّها خبر مؤكّد واضطرّت في ما بعد لتقديم الإعتذار من الحبيب الصيد ومن القرّاء بصفة عامة ذلك أنّ رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد في صحّة جيّدة بعد الوعكة الصحية التي تعرّض لها في فيفري الفارط.
اما اليوم الجمعة، فكلّ الأنظار إنساقت نحو رئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الذي تمّ نشرُ صورة له من قبل مساعده في البرلمان المكلف بالإعلام والاتصال ماهر مذيوب، ويظهر في الصورة الغنوشي وهو بصدد تناول فطور الصباح في منزله. هذه الصورة جاءت للردّ على الإنتقادات والإشاعات التي راجت خلال هذا الأسبوع حول تدهور حالة الغنوشي الصحية بعد إصابته بفيروس كورونا على الرّغم من تلقيه جرعتا التلقيح وهو ما اضطرّه للبقاء في المستشفى العسكري ليخرج منه يوم الأربعاء 21 جويلية الجاري ويلزم منزله للراحة.
خروج الغنوشي من المستشفى العسكري لم يُقنع النواب والرأي العام التونسي بمدى سلامته وصحّته، حيث طالب نواب عن حركة الشعب وهم هيكل المكي ، ليلى حداد و محسن عرفاوي بتوضيح و بتقرير طبي بخصوص حالة رئيس البرلمان الصحية على أن يكون محرّر من الأطباء المباشرين لحالته الصحية بالمستشفى العسكري وعرضه على نواب الشعب. وكان الغنوشي قد أشرف ظهر اليوم الجمعة على اجتماع مكتب المجلس الذي التأم عبر التواصل عن بعد ودعت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ في نقطة نظام لها الغنوشي إلى أن يفتح الكاميرا ليُثبت أنّه هو المُشرف على الإجتماع وتوجّهت له قائلة ''افتح الكاميرا لنتأكّد من أنّك أنت الذي تتحدث معنا ومن قال أنّه ليس ميغالو يتحدّث مكانك''.
أمام هذه الإشاعات المُغرضة للتعتيم على حدّة الوضع الوبائي في تونس وأمام اهتمام المشيشي بفعل ما يُمكنه لإرضاء حزامه السياسي لضمان بقائه برئاسة الحكومة، يستعدّ الشعب التونسي بمختلف أطيافه يوم الأحد 25 جويلية الجاري إلى النزول بكثافة للشارع للمناداة بإسقاط المنظومة السياسية الفاشلة التي تُوفّي جرّاء مكرِها ودهائها أكثر من 18 ألف تونسي.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires