بعد شُبهة تضارب المصالح: مصير حكومة الفخفاخ سياسيا وقانونيا
''رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ خرق القانون والدستور'' بهذه الكلمات أكّد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أنّ رئيس الحكومة المتعلّقة به شبهة تضارب مصالح بشأن شركة خاصة لازال مُساهما فيها، وتُدعى الشركة "فاليس" وهي مختصة في المجال البيئي، قد أخطأ.
إلياس الفخفاخ يمتلك شركة "فاليس" التي تنتمي إلى مجمّع شركات وقد تمكّنت هذه الشركة من الفوز بصفقتين بقيمة 44،086،900 دينار، في شهر أفريل 2020 في فترة الحجر الصحي، وكان شوقي الطبيب قد أكّد أنّ الهيئة ستطبق القانون على رئيس الحكومة دون توظيف أو محاباة ودون شيطنة أيضا، كما أنّ الفخفاخ مطالب بالتفويت في أسهمه (والمقصود بالتفويت هو بيع الأسهم وليس إحالة التصرف فيها إلى الغير) أو سحب الدولة للصفقات التي تتعامل فيها مع شركات تعود نسبة من أسهمها لرئيس الحكومة.
خصّص البرلمان يوم 25 جوان 2020، جلسة إستماع خاصّة بالفخفاخ لتقيّيم المائة يوم الأولى من عمل الحكومة، تطرّق فيها لمدة 25 دقيقة لملف شبهة تضارب المصالح الذي أثاره النائب ياسين العياري بالوثائق والأدلّة التي قدّمها لهيئة مكافحة الفساد. الفخفاخ أكّد أنّه لم يكن يعتقد أنّه سيُصبح رئيسا للحكومة بعد خسارته في الإنتخابات الرئاسيّة مبيّنا أنّه شارك في الصفقة المتعلقة بوزارة البيئة في كنف الشفافية وأكّد أنّه مستعدّ للإستقالة إذا ثبُتت إدانته منزّها نفسه من تعاطي الفساد وأنّه يعمل على مقاومة الفساد.
هذه الشُبهة أثارت إنفعال الرأي العام الذي عبّر في تدوينات مختلفة عن خيبة أملهه في رئيس حكومة لم يمضي على مسكه زمام الحكم ثلاثة أشهر وإنّ هذه الشُبهة زعزعت هيبة الدولة وسيادتها لأنّ السلطة التنفيذيّة تعلّقت بها شبهة تضارب مصالح بالمؤيّدات. المشهد السياسي زاد تبلوّرا وتبعثرا، والحزام السياسي للحكومة اهتزّ وزادت الإتهامات بين الأحزاب وأصبح البعض منهم يسعى إلى إسقاط الحكومة، والبعض الآخر قرّر انتظار نتائج التحقيق لتحديد موقفهم.
مواقف الأحزاب من شبهة تضارب المصالح
قلب تونس عبّر عن تمسّكه بموقفه الرافض لحكومة الفخفاخ وعن عدم منحها الثقة، القيادي في الحزب ورئيس لجنة المالية بالبرلمان عياض اللومي، أكّد أنّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أنّه متّهم بملف فساد خطير كما أنّ حكومته فاشلة ''بكلّ المقايّيس'' مشدّدا أنّه سيتمّ إعداد لائحة لوم لسحب الثقة من الفخفاخ ، كما سيقوم بمقاضاته ودعاه لتقديم إستقالته. بالنسبة لرئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، أكّد أنّ حكومة إلياس الفخفاخ إنتهت سياسيا ويجب سحب الثقة منها، قائلا ''هذه أكبر فضيحة للدولة''.
التيار الديمقراطي يشهد وضعيّة حرجة نظرا إلى أنّ الأمين العام للحزب أصبح في منصب مهم في الدولة، وزير دولة لدى رئيس الحكومة مكلف بالوظيفة الحكومية والحوكمة ومكافحة الفساد، وهو من المختصين أساسا في البحث والتقصي في ملف شبهة تضارب المصالح المتعلّقة بالفخفاخ. النائب عن التيار الديمقراطي نبيل الحاجي، دعا رئيس الحكومة إلى تقديم إستقالته إذا ثبتت عليه تهمة شُبهة تضارب المصالح ولم يرغب في تحديد موقف الحزب. في حين أنّ المكتب السياسي للتيار الديمقراطي، المنعقد يوم الأحد 28 جوان، أكّد على تمسّكه بالائتلاف الحاكم الحالي ضمانا للاستقرار السياسي والاجتماعي وعبّر عن بقاء ثقته في رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في انتظار ما ستفضي إليه أعمال المؤسسات الرقابية المتعهّدة بالتحقيق في شُبهة تضارب المصالح التي طالت الفخفاخ وثمّن الشفافية التي تعاملت بها الديمقراطية التونسية في التعاطي مع هذه الشبهة.
بالنسبة لإئتلاف الكرامة، عبّر نواب الحزب عن رفضهم لحكومة الفخفاخ، خاصّة بعد شبهة تضارب المصالح وتحالف مع قلب تونس لتمرير عريضة سحب الثقة من الفخفاخ وذلك ضغطا منهم لتوسيع الحزام السياسي للحكومة. كما أنّ النائب المستقل أحمد الصافي سعيد وجّه رسالة لرئيس الجمهوريّة طالبه فيها بسحب الثقة من رئيس الحكومة الياس الفخفاخ من أجل "شرف تونس".
حركة النهضة عبّرت عن مساندتها ودعمها لحكومة الفخفاخ إلى حين صدور نتائج التحقيق، وأكّدت على ضرورة التمسك بتوسيع الحزام السياسي لأن الحكومة بوضعها الحالي لا تستطيع مواجهة التحديات ولم ترتقي إلى حكومة وحدة وطنية. وأكد عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى أنّ "المتهم بريء إلى تثبت إدانته''، مشيرا إلى أنّ هذا موقف حركة النهضة إلى غاية ظهور نتائج التحقيقات في ملفات شبهات الفساد وتضارب المصالح.
المسار القانوني لشُبهة تضارب المصالح
وزير الدّولة لدى رئيس الحكومة المكلّف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو، أكّد أنّه أعطى تعليماته إلى الهيئة العامّة للمصالح العموميّة وللهيئات الرقابيّة لفتح تحقيق في شُبهة تضارب المصالح التي طالت رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وأوضح أنّ نتائج التحقيق ستكون جاهزة على امتداد ثلاثة أسابيع ابتداء من يوم 25 جوان الفارط.
من جهته، دعا أستاذ القانون الدستوري سليم لغماني، رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إلى ضرورة أن يقدّم إستقالته من رئاسة الحكومة، مستشهدا بالنصوص القانونيّة، وشدّد على أنّ الفخفاخ حتى ولو لم تصدر بعد في حقّه حكم قضائي يعتبر مذنبا ومخطئا.
وفقا للفصل 98 من الدستور، إذا ثبُتت شُبهة تضارب المصالح على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، فإنّ استقالته تُعدّ استقالة للحكومة بكاملها، وتقدّم الاستقالة كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يُعلم بها رئيس مجلس نواب الشعب.
كما يُمكن حسب هذا الفصل لرئيس الحكومة أن يطرح على البرلمان التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، ويتمّ التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة. وفي الحالتين يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة طبـق مقتضيات الفصل 89.
من جهة أخرى، إذا أراد نواب البرلمان سحب الثقة من حكومة الفخفاخ وإسقاطها، فإنّه وفقا للفصل 97 من الدستور، يشترط لسحب الثقة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89. في صورة عدم تحقق الأغلبية المذكورة، لا يمكن أن تقدم لائحة اللوم مجددا ضد الحكومة إلا بعد مُضي ستة أشهر.
شُبهة تضارب المصالح المتعلّقة بالفخفاخ كشفت الغموض في الفصل 20 من قانون عدد 46 لسنة 2018 مؤرخ في 1 أوت 2018 يتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، الذي بطبّق أحكام التحجير على الفئات المنصوص عليها في الفصل 18 من نفس القانون ولكنّه لم يُحدّد العقوبات.
الفصل 18 ينصّ على أنّه يجب على الأشخاص المشار إليهم بالأعداد1 و2 و4 و6 و8 من الفصل 5 من هذا القانون، وهم كلّ من رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه، رئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، رؤساء الهيئات الدستورية المستقلة وأعضائها، رؤساء ورئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، في صورة امتلاكهم لأسهم أو حصص شركات أو في صورة إدارتهم لشركات خاصة يمتلكون رأسمالها كليا أو جزئيا، تكليف الغير بالتصرف فيها في أجل أقصاه شهران من تاريخ تعيينهم أو انتخابهم بحسب الحال وإلى غاية زوال الموجب. كما تخضع إحالة التصرف المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا الفصل لمراقبة الهيئة التي يتمّ إعلامها بالإجراءات التي وقع اتخاذها تطبيقا لأحكام هذا الفصل.
ويحجّر الفصل 20 من هذا القانون على هؤلاء أثناء ممارسة مهامهم التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسّسات والمنشآت العمومية، ويحجّر على باقي الأشخاص المشار إليهم بالفصل 5 من هذا القانون، أثناء ممارسة مهامهم، التعاقد بغاية التجارة مع الهياكل التابعين لها.
ونجد أنّ الفصل 20 حجّر على رئيس الحكومة التعاقد مع الدولة أثناء ممارستهم لوظيفته ولكنه لم يحدّد العقوبة الناتجة عن ذلك.
أصبحت استمرارية الحكومة الحالية رهينة نتائج التحقيق الخاصّ بشبهة تضارب المصالح المتعلّقة برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ التي ستتبّين بعد ثلاث أسابيع، في حين أنّ المشهد السياسي يشهد توتّرا في ظلّ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires