alexametrics
الأولى

الشعب التونسي يعيش لحظات تاريخية

مدّة القراءة : 9 دقيقة
الشعب التونسي يعيش لحظات تاريخية


عاش الشعب التونسي بمناسبة ذكرى عيد الجمهورية 64، يوم الأحد 25 جويلية 2021، يوما تاريخيا تابعه كلّ العالم ومثّلت تونس محلّ أنظار كلّ الدول العربية والأجنبية. الشعب التونسي بعد عشرة سنوات من حكم الإسلاميّين ومن معهم في الطبقة السياسية، انتفضوا منذ صبيحة يوم أمس الأحد وخرجوا إلى الشارع ونادوا بإسقاط المنظومة السياسية التي نخرها الفساد وتبيّيض الأموال وفقّرت الشعب وقتلته. 


احتجاجات متزامنة انطلقت في العديد من الولايات، ورُفعت هذه الشعارات ''الشعب يريد إسقاط البرلمان''، ''سحقا سحقا للرجعية دساترة وخوانجية ''، '' الشهيد خلى وصية لا تراجع على القضية''، ''يا مواطن يا مقموع لا للفقر لا للجوع''، ''فاسدة المنظومة معارضة وحكومة''، ''الشعب فد فد من الطرابلسية جدد'' ، ''يسقط حزب الإخوان يسقط جلاد الشعب''. هذه الشعارات اطلقها المتظاهرون أمام البرلمان في باردو، ونادى بها بقية المحتجون في كلّ الولايات على غرار سوسة وصفاقس وباجة ولم تُثني المتظاهرين القوات الأمنية التي تمّ تسيّيجها أمامها لردعهم وإثنائهم عن التظاهر. 


كلّ المحتجين غايتُهم كانت إسقاط المنظومة السياسية الحالية والتأسيس لبناء جديد وفتح ملفات الفساد وتطبيق المُحاسبة ضدّ كل من ساهم في تردي الأوضاع العامة في تونس، خاصّة حركة النهضة الإسلامية التي استفردت بالحُكم على امتداد عشرة سنوات وأسقطت كلّ الحكومات وعبثت بالمسار الديمقراطي. ولذلك، كانت مقرّات حركة النهضة الإسلامية هدفا العديد من المحتجين، إذ تمّ اقتحام مقرّ النهضة في ولاية توزر وتمّ حرق محتوياته من ملفات ووثائق ، كذلك قام المحتجون في كلّ من ولاية القيروان وولاية سوسة  بإسقاط لافتة مقرّ النهضة وحاولوا اقتحامه إلاّ أنّ قوات الأمن صدّتهم. في حين أنّ اتحاد الشغل عبّر عن مساندته للإحتجاجات واعتبر أمين عام الإتحاد نورالدين الطبوبي أنّ توقيت المنظومة السياسية قد انتهى ويجب أن يقول الشعب كلمته. 

حركة النهضة الإسلامية، استنكرت الإستهداف المُمنهج من قبل المتظاهرين لمقرّاتها ونشرت بلاغا توعّدت فيه المحتجين بالتتبعات القضائية ووصفتهم بالمجموعات الفوضوية والعصابات الاجراميّة التي يتمّ توظيفها من خارج حدود البلاد ومن داخلها للاعتداء على مقرات الحركة ومناضليها وإشاعة مظاهر الفوضى والتخريب خدمة لأجندات للإطاحة بالمسار الديمقراطي وتعبيد الطريق أمام عودة القهر والاستبداد. في حين أنّ قيادات النهضة على غرار الإسلامي رفيق عبد السلام اتّهم رئيس الجمهورية بالوقوف وراء سلسلة الإحتجاجات التي اندلعت في كلّ ولايات الجمهورية مؤكّدا أنّ  قيس سعيد يريد بث الفوضى والفتنة، ولن يصل إلى  تحقيق مبتغاه.

ونظرا لتعقّد الأوضاع وارتفاع وتيرة الإحتجاجات في كلّ الولايات وباتت تونس في حالة غليان، عقد رئيس الجمهورية قيس سعيد في حدود التاسعة ليلا مساء أمس الأحد اجتماعا طارئا مع القيادات الأمنية والعسكرية. في الأثناء، عقدت حركة النهضة ندوة صحفية عاجلة بمقرّها الرئيسي في مونبليزير، عادت فيها على الإعتداءات التي طالت  مقرّاتها في العديد من الولايات، واعتبرت أنّ المحتجين هم عصابات اجرامية مدفوعة الأجر من قبل أطراف داخل البلاد وخارجها وتوعّدتهم بالملاحقات القضائية. 

لم تنتهِ الندوة الصحفية لحركة النهضة الإسلامية بعد، ويُفاجئهم رئيس الجمهورية بقرارات أثقلت كاهلهم وأدخلتهم في حالة فوضى وفزع وهلع. رئيس الجمهورية قيس سعيد خيّر الوقوف إلى جانب خيارات ورغبة الشعب التونسي والإحتجاجات التي افتتحها الشعب التونسي منذ صبيحة يوم الأحد ، أخذ عنهم قيس سعيد المشعل في المساء وفاجئ الطبقة السياسية بقرارات أنهت وجودهم أصلا. قيس سعيد بعد انتهاء اجتماعه مع القيادات الأمنية والعسكرية، أعلن أنّه قرّر تفعيل الفصل 80 من الدستور، وبذلك قرّر  إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل واختصاصات البرلمان لمدّة 30 يوما. أيضا قرّر ترأس النيابة العمومية  ورفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب، وأعلن أنّه تولى إدارة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد يعيّنه رئيس الجمهورية. ودعا الشعب التونسي إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى. 

 

هذه القرارات نزلت كالصاعقة على الطبقة السياسية الفاشلة، واتّهموا قيس سعيد بالإنقلاب على الدستور وعلى الثورة. الإسلامي رفيق عبد السلام اعتبر قيس سعيد ديكتاتور مشيرا  أنّ القرارات التي أعلن عنها الرئيس هي مشروع انقلابي ودعا  كل الشعب وقواه المدنية إلى مواجهة الإنقلاب. كذلك الإسلامي الراديكالي سيف الدين مخلوف وصف قيس سعيد بالمُصيبة واعتبره انقلب على الدستور الذي أقسم على احترامه ودعا الشعب التونسي إلى الدفاع عن حريته وثورته وتوجّه للرئيس قيس سعيد قائلا '' لن تكون فرعون''. في حين أنّ هذه الخطوة التاريخية التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد أدخلت الفرحة والبهجة في صفوف التونسيّين الذين جابوا شوارع العاصمة وشوارع كلّ الولايات بسياراتهم وحتى على الأقدام وتعالت راية العلم التونسي في كلّ مكان وتعالت معه الزغاريد فرحا بقرار سقوط منظومة الحكم الحالية واندثار البرلمان وذهاب هشام المشيشي وحكومته.

في هذه الأثناء، وبينما عجّت تونس العاصمة بصفارات السيارات تعبيرا عن فرح الشعب التونسي بقرارات الرئيس قيس سعيد وامتلأت الشوارع بالمواطنين حاملين علم تونس والزغاريد، تساءل الكثيرون عن سبب غياب هشام المشيشي عن الأنظار منذ إعلان القرارات وإلى حدود الساعات الأولى من فجر هذا اليوم، ووفقا لتصريحات بعض الإسلاميّين على غرار القيادي بحركة النهضة الإسلامي علي العريّض لقناة الجزيرة فإنّ رئيس الحكومة هشام المشيشي محاصر  في قصر قرطاج. وعلمت بيزنس نيوز، أنّ رئيس الحكومة هشام المشيشي قد غادر  قصر قرطاج وعاد إلى منزله،  قبل منتصف الليل بقليل.

قيادات النهضة بعد صدور قرارات قيس سعيد، عقدت اجتماعا عاجلا في مقر الحزب بمونبليزير، للنظر والبت في الموقف الذي ستتخذه الحركة إزاء قرار رئيس الجمهورية. رئيس الحركة راشد الغنوشي فور انتهاء الإجتماع، اعتبر أنّ ما يحدث انقلابا متكامل الأركان مؤكّدا أنّه لا يوجد في  الدستور ما ينصّ على حل البرلمان أو حلّ الحكومة. واتّهم قيس سعيد بمحاولة وضع يده على السلطة التشريعية عبر حل المجلس وعبر رئاسة النيابة العمومية والتنفيذية ودعا الشباب والمنظمات الوطنية والجيش والشرطة الى الحفاظ على سلمية الثورة ورفض الانقلاب وحرّض الشعب للخروج  للشارع لرفض الانقلاب. وتوجّه راشد الغنوشي رفقة نواب حركته إلى مقرّ البرلمان وحاول الدخول ولكنّ القيادات العسكرية التي تحمي البرلمان منعته من ذلك، ووجّه نداء لكلّ أنصار الحركة إلى الإلتحاق به أمام البرلمان والتحقت كذلك قيادات التيار الإسلامي ائتلاف الكرامة وسادت أجواء من المشاحنات بين الشعب التونسي والنواب ورفعت في وجوههم شعارات تُنادي برحيلهم ''ديغاج''. 

 

قيس سعيّد تحوّل في حدود الساعة الثانية إلاّ رُبع من فجر  هذا اليوم، إلى شارع الحبيب بورقيبة والتحق بالشعب الذي بقي يحتفل حتى الصباح في شارع الحرية والكرامة وفي كلّ الولايات بتلك القرارات التاريخية وفرحهم الكبير كان بسقوط التيارات الإسلامية من الحكم. وجاب قيس سعيد شوارع العاصمة مشيا على الأقدام واستمع لهتافات الشعب الذي عبّر عن فخره واعتزازه برئيسهم الذي انتصر لهم وأكّد لهم أنّه سيظل منحازا لخيارات الشعب ومصالحه. 

اليوم العديد من الأحزاب وأساتذة في  القانون الدستوري عبّروا عن رفضهم لتأويل رئيس الجمهورية قيس سعيد للفصل 80 من الدستور و ما يترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور. حزب التيار الديمقراطي، كشف أنّه لا يرى حلا إلا في إطار الدستور داعيا رئيس الجمهورية وكل القوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد السياسي. حزب قلب تونس اعتبر أنّ القرارات المتخذة هي خرق جسيم للدستور ولأحكام الفصل 80 ولأسس الدولة المدنية وتجميعا لكل السلط في يد رئيس الجمهورية والرجوع بالجمهورية التونسية للحكم الفردي. حركة الشعب عبّرت  عن مساندتها لقرارات سعيد، مؤكدة أنّها طريق لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة والمنظومة الحاكمة برمتها. ودعا الحزبُ رئاسة الجمهورية إلى المحافظة على المكاسب التي تحققت في مجال الحريات العامة والخاصة والمنجز الديمقراطي الذي راهنت لوبيات الفساد على الانحراف به. 

في حين أنّ  أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور، وصف  قرار رئيس الجمهورية بتفعيل الفصل  80 من الدستور بـ " المخالف للدستور''. أما  منى كريّم أستاذة القانون الدستوري،  أشارت  أنّ قرارات الرئيس قيس سعيد قد تكون خاطئة قانونا لكنّها اكتسبت المشروعيّة عبر تأييد الشارع والمواطنين مساء أمس الأحد مفسرة أنّ ماحدث تجاوز التحاليل القانونية والدستورية، التي لم تعد لها أهميّة. 

دعا الكثيرون كذلك إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، في حين أنّ رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون اعتبر أنّ قرارات رئيس الدولة لا تحتكم للدستور وستؤدي لإرباك المسار، وأكّد أنّه لا يُمكن  تنظيم انتخابات خارج الدستور مشيرا أنّ هيئة الانتخابات تتابع بصدمة القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية غير المتطابقة مع أحكام الدستور الذي حدد صلاحيات رئيس الجمهورية في الفصل 77 و 78 من بينها استعمال الفصل 80 عندما يكون هناك خطر داهم مهدد لكيان الوطن. في حين أنّ  اتحاد الشغل عبّر عن دعمه لقرارات رئيس الدولة، وشدد على ضرورة وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس بجملة من الضمانات الدستورية وفي مقدّمتها ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية وتحديد مدّة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها حتّى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة في الآجال إلى السير العادي وإلى مؤسّسات الدولة. ودعا الاتحاد إلى مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته.

النواب الإسلاميون لم يقتنعوا إلى حدّ اللحظة بقرارات رئيس الجمهورية، وحاول أنصارهم ظهر اليوم اقتحام مقرّ البرلمان إلاّ أنّ القوات الأمنية والعسكرية حالت دون ذلك. كما انّ راشد الغنوشي عقد اجتماع مكتب البرلمان عن بُعد، وأصدر بلاغا عبّر فيه عن رفضه المطلق و إدانته الشديدة لما أعلن عنه رئيس الدولة قيس سعيد معتبرا جميع قراراته باطلة ومحاولة تحيل محملين قيس سعيد جميع التبعات الأخلاقية والقانونية و الجزائية لدعوته. ووجه مكتب المجلس دعوة للنواب للدفاع عن قيم الجمهورية وعلوية الدستور والرفض المطلق لقرارات الرئيس ومواصلة عملهم اليومي بجانب شعبهم في مواجهة أزمة الكوفيد وتداعياتها الخطيرة اقتصاديا واجتماعيا. 


رئيس الجمهورية قيس سعيد في كلمة توجّه بها لعامة الشعب التونسي اليوم اكّد أنّ قراراته كانت استنادا للفصل 80 من الدستور ودعا الأطراف التي إدّعت أنّه قام بإنقلاب إلى مراجعة دروسهم في القانون. ووصف اللحظات التي تعيشها تونس باللحظات التاريخية مُدركا انّها لحظات صعبة تقتضي الكثير من المسؤولية.

''نفذ الصبر بالرّغم من التحذير تلو التحذير وبلغ السيلُ الزُبى، صبرت كثيرا ووجهت التحذيرات تلو التحذيرات ولكن للأسف هناك من في آذانهم وقرا لا يسمعون، ناك من يسعى إلى تفجير الدولة من الداخل، استشرى الفساد ، صارت اللقاءات تتمّ مع من هم مطالبون للعدالة ومع من نهب ثروات الشعب التونسي، بأيّ حقّ وبأي مقياس ؟ '' .

ودعا رئيس الجمهورية الشعب التونسي إلى إلتزام الهدوء وعدم الردّ على الإستفزازات  وعدم إيلاء أيّ أهمية للتصريحات والشائعات التي احترفها البعض، وأكد قائلا  ''لا أريد أن تسيل قطرة دمٍ واحدة، هناك القانون ويُطبق على الجميع، هناك لصوص ويحتمون بالنصوص التي وضعوها على مقاسهم،  لقد حوّروا الإنفجار الثوري غير المسبوق في تونس إلى غنيمة وتمّ السطو على إرادة الشعب بنصوص قانونية وضعوها على المقاس كما أرادوا لإقتسام السلطة ونكّلوا بالشعب التونسي تنكيلا مستمرّا متواصلا ، نكّلوا به في حياته اليومية في معاشه ، في تعليمه ، في الصحة ، في الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان واعتقدوا أنّ الدولة لقمة سائغة والفقير المُتقع ليس إنسانا ليس له أبسط الحقوق المشروعة لتحفظ كرامته الإنسانية''. 


''نحن لسنا دعاة فوضى ولا خروج عن القانون ولا للمسّ بحرمة أيّ كان والجميع سواء أمام القانون وليس هناك مساس بالحريات ولا مساس بأيّ حق وجد في نصّ الدستور وإنّما الأمر يتعلّق بتنظيم مؤقّت للسلط ريثما يزول هذا الخطر الداهم وندعو التونسيّين والتونسيّيات إلى التعقّل وإلى التعبير عن رأيهم بكل حريّة ولكن كلّ شخص مسؤول أمام القانون''. 

يسرى رياحي






تعليقك

(x) المدخلات المطلوبة

شروط الإستعمال

Les commentaires sont envoyés par les lecteurs de Business News et ne reflètent pas l'opinion de la rédaction. La publication des commentaires se fait 7j/7 entre 8h et 22h. Les commentaires postés après 22h sont publiés le lendemain.

Aucun commentaire jugé contraire aux lois tunisiennes ou contraire aux règles de modération de Business News ne sera publié.

Business News se réserve le droit de retirer tout commentaire après publication, sans aviser le rédacteur dudit commentaire

Commentaires

Commenter