بعد سقوط حكومة النهضة..هل تنجح حكومة الرئيس قيس سعيد؟
عاشت تونس خلال سنة 2019، محطّات سياسيّة كبرى تميّزت بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. رحيل الرئيس السابق الباجي قائد السبسي يوم الخميس 25 جويلية 2019، تبعه مباشرة تولّي رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر سدّ الشغور دستوريا وحلّ بمنصب رئاسة الجمهوريّة. ودخلت البلاد في سباق الإنتخابات الرئاسيّة التي تمّت بكلّ نزاهة وشفافيّة وانتهت بفوز قيس سعيد وأصبح رئيسا لتونس وسلّمه محمد الناصر منصب الرئاسة. تلت الرئاسية الإنتخابات التشريعية التي انطلقت يوم 6 أكتوبر 2019، والتي أدّت نتائجها إلى فوز حزب حركة النهضة وتمّ تركيز تركيبة جديدة لمجلس نواب جديد.
تمّ تعيين راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان وأشرفت حركة النهضة الحزب الفائز في التشريعيّة على اختيار شخصية لتشكيل الحكومة وانتهت بترشيح الحبيب الجملي وقدّمته كمستقل غير منتمي لحركة النهضة، وأشرف الغنوشي على تسليم اسم مرشحه لرئيس الدولة قيس سعيد الذّي كلّف بدوره يوم 15 سبتمبر 2019، الجملي بتشكيل الحكومة في ظرف لا يتجاوز شهر.
عودة على مسار تشكيل الجملي لحكومته
دخل الجملي سباق المشاورات والحوارات مع كلّ الأحزاب والمنظمات الوطنيّة واتسعت دائرة نقاشاته، في نفس الوقت، أوشكت المدّة القانونيّة المخّول له فيها تشكيل الحكومة على الإنتهاء وهو لم يتمكن بعد من إعداد تركيبة حكومته. يوم الخميس 12 ديسمبر 2019، توجّه الجملي لقيس سعيد وأعلمه بمجريات حكومته وطلب منه أن يمدّد له بشهر وفق ما ينصّ عليه الدستور ليُكمل إعداد الحكومة، وكان له ذلك. واصل الحبيب الجملي مشاوراته مع الأحزاب ولم ينفك في كلّ المناسبات التأكيد على مدى إستقلاليته وأنّ النهضة لا دخل لها في عمله الحكومي، هذا التأكيد لم يمكّنه من كسب ودّ الأحزاب. الكلّ ألقى عليه بشروطه للمشاركة في الحكومة واستحالت المهمّة عليه أكثر عندما أعلنت مجموعة من الأحزاب الإنسحاب من المشاورات ولم يبقى سوى حركة النهضة وائتلاف الكرامة داعمين له. ولإنقاذ الوضع، تدخّل قيس سعيد واجتمع بالأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكومة على غرار رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي، أمين عام حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حزب تحيا تونس يوسف الشاهد، ولكن هذا التدخّل لم ينجح واضطرّ الجملي إلى الإعلان بعد الإجتماع يوم الإثنين 23 ديسمبر عن عزمه تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلّة عن الأحزاب.
بعد سلسلة من اللّقاءات والبحث من قبل الجملي لإختيار أعضاء حكومته على أساس الكفاءة والنزاهة والإستقلالية، تمكّن من الوصول إلى تركيبة للحكومة وأخذ يشير على امتداد أيام أنّه سيعلن عنها وكان يأخّر الإعلان عنها يوم بعد يوم، إلى حين أن التقى يوم 1 جانفي 2020، الجملي بسعيّد وقدّم له الحكومة ورفض الإدلاء بها للإعلام وبعد لقائه برئيس الدولة بسويعات تمّ تسريب القائمة الإسميّة لحكومته وسرعان ما تباينت حولها ردود الأفعال وسُجّلت العديد من الإحترازات في ما يخصّ نزاهة ونظافة بعض الوزراء الذين عيّنهم. هذا التسريب، دفع بالجملي إلى الإعلان عن تركيبة الحكومة بصفة رسميّة يوم 2 جانفي، واستمرّ في حثّ الأحزاب للتصويت لمنح الثقة لحكومته وأكّد على استعداده بإجراء تعديلات في أعضاء حكومته إذا ثبتت إدانتهم في شبهات فساد أو قضايا ولكن التعديل سيتمّ وفق تصريحه بعد منح النواب الثقة للحكومة.
حدّد مجلس نواب الشعب يوم الجمعة 10 جانفي 2020، يوم الجلسة العامّة لمنح الثقة لحكومة الجملي، وتتطلّب المصادقة على الحكومة تصويت 109 نائب بالموافقة عليها. مصير الحكومة كان واضحا وهو الفشل وذهابها في مهبّ الريح وأصبح الشغل الشاغل للرأي العام التفكير في ما سيحصل بعد إسقاط حكومة الجملي وذلك بعد أن أكّدت معظم الأحزاب قبل جلسة المصادقة بيوم عدم منحها الثقة لها وبقيت فقط النهضة الداعم الوحيد للجملي وحكومته. راشد الغنوشي حمّل المسؤوليّة للأحزاب واتّهمهم بخذلان تونس والحكومة والجملي بعدم منحهم الثقة للحكومة مشيرا إلى أنّ تونس لم تعد تحتمل التأخير لتشكيل حكومة والبدء في العمل من أجل مصلحة البلاد.
مخرجات يوم الجمعة 10 جانفي
انطلقت يوم 10 جانفي فعاليات الجلسة العامة لمنح الثقة، وقدّم رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي خطاب دام أكثر من ساعة بيّن فيه أهم محاور وركائز حكومته وأعلن عن تركيبة الحكومة وبطريقة غير مباشرة منه، حثّ النواب في البرلمان على التصويت لحكومته. بعد ذلك، صُدم الجملي بانتقادات النواب الذين أخذوا الكلمة من بعده لإبداء رأيهم في أعضاء حكومته وسُجّلت في ذهنه بوادر فشل حكومته بعد الكم الهائل من الإنتقادات والشتم له ولحكومته ولرئيس حركة النهضة الذي عيّنه، راشد الغنوشي. بعد انتهاء تدخّلات النواب، تمّ التصويت على الحكومة بإسقاطها حيث صوّت 134 نائبا ضدّها و 72 صوتا مع و3 محتفظين. وفقا للفصل 89 من الدستور، تمرّ البلاد إلى حكومة الرئيس قيس سعيد حيث يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
ردود الأفعال يوم السبت 11 جانفي
سقوط وفشل حكومة الجملي، اعتبره الكثيرون من روّاد الشأن العام أنّه دليل على سقوط حركة النهضة وبداية ديمقراطيّة جديدة جامعة للأحزاب التقدّميّة الوسطيّة. على الرّغم من فشل حكومة النهضة، إلاّ أنّ راشد الغنوشي بقي متشبّثا بدور الحركة في الحكم خلال المرحلة القادمة وصرّح أنّ قيس سعيد قادر على اختيار شخصيّة مسؤولة لتشكيل الحكومة وذلك بالتشاور مع النهضة الحزب الفائز في التشريعيّة. الغنوشي أعلن أنّه كان متوقّع فشل حكومة الجملي لأنّه اختار إقصاء الأحزاب ولا يمكن وفق قوله لسياسي أن يقبل الإقصاء السياسي من الحكم، وأكّد الغنوشي أنّ النهضة تمثل العمود الفقري للبلاد ولا يمكن لأي طرف الحكم دون التوافق معها. وتوجّهت النهضة يوم السبت 11 جانفي، بتحيّة شكر للحبيب الجملي وفريقه الحكومي على مجهوداتهم، وخصّت بالشكر أيضا ائتلاف الكرامة الذّي صوّت للحكومة. كما استقبل قيس سعيد، راشد الغنوشي صبيحة يوم السبت بقصر قرطاج، وتمحور اللقاء حول تفعيل الاجراءات الدستورية التي تقتضي أن يعين سعيد رئيس الحكومة المكلف في أجل قدره 10 أيام وناقش الطرفان نتائج التصويت على حكومة الحبيب الجملي، التي فشلت في نيل ثقة مجلس النواب.
بعد انتهاء الجلسة العامة للمصادقة على الحكومة التي تمّ إسقاطها، عقد أكثر من 90 نائبا عن قلب تونس وتحيا تونس وكتلة الإصلاح وكتلة المستقبل مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه وقوفهم إلى جانب مصلحة تونس وفرحهم بسقوط حكومة النهضة وأنّهم سيساندون رئيس الدولة في اختيار الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة. واعتبر الخبير الدستوري، جوهر بن مبارك، أنّ الجبهة البرلمانية التي أشرف عليها نبيل القروي هي حيلة فاشلة ومناورة بدائية تهدف لتقييد قيس سعيد.
الحزب الدستوري الحرّ دعا كلّ الأحزاب والنواب الذين صوّتوا لإسقاط حكومة الحبيب الجملي إلى إمضاء عريضة في سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، و''تصحيح الخطأ الفادح الذي تم ارتكابه في حق هذه المؤسسة الدستورية ويضع امضاء نواب كتلة الحزب الدستوري الحر السبعة عشر كبداية للشروع في جمع 73 صوتا المستوجبة لتمرير هذه العريضة". كما عبّر الحزب عن ارتياحه لإلتفاف عدد من النواب والكتل البرلمانية حول خيار استبعاد الإسلام السياسي وإعلاء مكانة القوى الوطنية الحداثية المؤمنة بمدنية الدولة بإسقاط ''حكومة الإخوان''. وأشار الدستوري الحرّ إلى ضرورة اختيار كافة القوى السياسية الوطنية الحداثية لشخصية وطنية جامعة تتمتع بالكفاءة والإشعاع وتقطع مع الإسلام السياسي لتكليفها بتكوين حكومة دون تمثيلية للنهضة حتى يتسنى لتونس تخطي أزمتها الخانقة والانعتاق من منظومة الفشل التي أدت بها الى التداين والارتهان للخارج.
بالنسبة لمشروع تونس، اعتبر الأمين العام للحركة محسن مرزوق، أنّ قرار تكليف شخصية أخرى لتشكيل الحكومة من قبل رئيس الدولة سيجنّب البلاد الوقوع في نفس الأخطاء. وأشار إلى أنّ طبيعة الشخصية المقترحة ستكون مرتبطة بطبيعة الحكومة، وبيّن إمّ أن تكون حكومة تحالف حزبي أيّ حكومة سياسية بدون نهضة، وإمّ حكومة سياسية مفتوحة لجميع الأحزاب تحت مسمى إنقاذ وسيكون ذلك شيئًا طوباويًا غير ممكن التحقيق. وبيّن أنّ الذهاب في حكومة تكنوقراط مستقلة عن الأحزاب ممكن أن تكون ذات فائدة في الظروف الحالية. مرزوق عبّر عن أمله في أن تتواصل حالة تقارب الأحزاب المتقاربة بطبيعتها والتي فرقتها الأخطاء ومناورات الخصوم. ودعا مرزوق الغنوشي إلى الإنسحاب الطوعي من رئاسة البرلمان أو سحب الثقة منه نظرا لغياب الحيادية بين انتمائه لرئاسة حركته ورئاسته للبرلمان.
كما التقى رئيس الدولة قيس سعيد برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، وتطرّق اللّقاء إلى مختلف المراحل التي عرفها مسار تشكيل الحكومة وخاصة المدة التي استغرقها ومدى تأثير ذلك على الأوضاع في تونس على كافة المستويات.
مطلب سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي نادى به الكثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعي، خاصّة بعد زيارته الغير معلنة يوم أمس السبت إلى تركيا، أين إلتقى الرئيس التركي أردوغان. ووفق بلاغ النهضة فإنّ الزيارة تمحورت حول التطورات الجديدة في المنطقة والتحديات التي تواجهها. ودعا الرئيس التركي إلى تشجيع رجال الأعمال الأتراك لزيارة تونس والاستثمار فيها وبعث شراكات مع رجال الأعمال التونسيين بما يعدل الميزان التجاري بين البلدين. هذا ما أعلنته حركة النهضة ولكنّ الكلّ اعتبر أنّ هذه الزيارة التي تلت سقوط حكومة النهضة لها علاقة بتأثير تركية على قرارات النهضة وهذا ما أشار إليه محسن مرزوق، أيضا اعتبر النائب في البرلمان عن حركة تحيا تونس مبروك كرشيد تلك الزيارة هتك للأعراف الدبلوماسية، ومسّ من السيادة الوطنيّة لتونس.
حركة النهضة نتيجة سياسة التغوّل التي تنتهجهها ورغبتها في الحكم على حساب بقيّة الأحزاب جعلت من حكومتها تفشل، حتى أنّ الغنوشي لم يعد قادر على التحكم في البرلمان ولا في إدارة حركته وإنّ التمديد في عهدة جديدة له على رأس النهضة بات مستحيلا. الكلّ اليوم ينتظر من الرئيس قيس سعيد الإسراع في التشاور مع الأحزاب واختيار شخصية قادرة على تشكيل حكومة يقبل بها البرلمان.
يسرى رياحي
تعليقك
Commentaires